version française ilboursa

أزمة السجائر في تونس : الخفايا والحقائق

أعادت أزمة السجائر في تونس الجدل حول الأسئلة الكبرى بخصوص مسألة تزويد السوق بالسجائر المحلية والأجنبية، غير ان أسباب فقدانها والارتفاع الصاروخي لأسعارها معروفة وواضحة ومدانة منذ عدة سنوات بالإضافة الى ان الصراعات السياسية بشأن هذه التساؤلات والاشكاليات أضرت بالقطاع.

السؤال الجوهري المطروح، هو كيف تم الوصول الى هذه الوضعية الصعبة ؟ الإجابة تبدو بسيطة : منع تطور أسعار السجائر بصفة عادية. اذ ان هناك رغبة في الحفاظ على سعر علبة السجائر في مستويات دنيا (رغبة سياسية في عدم التسبب في ضغوط اجتماعية) الا ان التداعيات على المدى البعيد، وهو ما يعيشه القطاع الان، بدت خطيرة بدليل التطور اللافت لأسعار السجائر في الأسواق بسبب نفاذ المنتوج مع عدم انتفاع خزينة الدولة من الناحية الجبائية في ظل الوضعية المالية المتدهورة للوكالة الوطنية للتبغ والوقيد.

اذ تعرف الوكالة التي تمتلك حصرية انتاج وتوزيع وبيع السجائر في تونس وضعية صعبة غيرت جذريا التوازنات الكلاسيكية على مستوى العرض والطلب. اذ يقدر الاستهلاك السنوي للسجائر في حدود 1 مليار علبة (محلية واجنبية) في حين لا توفر السوق الرسمية سوى 700 مليون علبة في السنة أي ان البقية, 30 بالمائة من الاستهلاك الجملي, تؤمنها السوق الموازية.

ويعاني المزود الرسمي لتونس من السجائر من خسائر متراكمة خلال السنوات الأخيرة وصلت الى 300 مليون دينار خلال سنة 2018 تم اثناءها إقرار زيادات بسيطة من وزارة الاشراف (وزارة المالية)، لكن هذه التعديلات لم تغط ارتفاع تكاليف الاستغلال خاصةً مع تدهور قيمة الدينار التونسي تجاه العملات الأجنبية الأساسية (الأورو والدولار). وانعكست هذه الوضعية بشكل لافت على مديونية الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد (272 مليون دينار في موفى سنة 2018) ما عمق إشكالية طاقة الإنتاج والاستجابة الى طلبات السوق.

الدولة تدعم السجائر الأجنبية !

وبسبب ضعف نسق الترفيع في أسعار بيع السجائر وتدهور سعر صرف الدينار فان الوكالة تحقق هامش ربح سلبي عند بيعها للسجائر الأجنبية حيث قارب الهامش السلبي 28 مليون دينار في سنة 2017 ما يعني ان الدولة تدعم السجائر الأجنبية وهي سابقة في العالم. وامام تعنت السلطات المعنية في القيام بتعديل الأسعار الضرورية للتقليص من الخسائر، تجد الوكالة نفسها عاجزة عن تامين توريد الكميات اللازمة لمجابهة الطلبات المتزايدة للمدخنين في تونس ما أدى الى حصول نقص حاد في عرض السجائر الأجنبية في السوق المحلية.

ويستشف من خلال مختلف التصريحات الإعلامية لعدد من المختصين والمسؤولين والمقالات الصحفية الصادرة، ان نسبة كبيرة من النقص الحاصل للموارد المالية للوكالة الوطنية للتبغ والوقيد يعود أساسا الى انتشار السجائر المقلدة المتأتية من السوق الموازية، لكن في الواقع نفاد السجائر ونقصها في السوق هي التي تدفع المدخنين الى اللجوء الى سجائر السوق الموازية واقتناءها بأسعار مرتفعة جدا.

وساهم اضراب أعوان قباضات المالية الأخير في تعميق أزمة السجائر، الامر الذي جعل الأسعار تزيد بنسبة 40 بالمائة اذ ان سعر علبة سجائر من صنف "20 مارس" مر الى 5 دنانير مقابل سعر محدد للبيع للعموم ب 3,500 د بينما مر سعر علبة السجائر الأجنبية إلى 10 و12 دينارا في بعض الأحيان والحال انه محدد ب 7,300 دينارا.

السماح للمساحات التجارية ببيع السجائر لتطويق السوق الموازية

تكمن نسبة كبيرة في إشكاليات الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد في التوزيع اذ ان قنوات منظمة ومهيكلة على غرار المساحات والفضاءات التجارية قد تساهم في الترفيع من الإنتاج وبالتالي إمكانية انتفاع الوكالة ماديا من هذه المسالة.

وفي هذا الصدد رخصت الدولة رسميا للمساحات التجارية الكبرى في افريل الفارط بترويج السجائر للعموم في إطار عقود ابرمت مع الوكالة ومصنع التبغ بالقيروان تحدد من خلالها شروط بيع السجائر في هذه المساحات والكميات (علبتان لكل مواطن) والنقل مع وجوب احترام السعر المحدد للبيع للعموم.

ومن شان هذا القرار بدون أدنى شك ان يكون له انعكاس إيجابي على المستهلك غير ان تطبيقه يظل رهين تظافر عدة عوامل، غير انه الى اليوم لم يقع بيع اية علبة سجائر في المساحات التجارية الكبرى بسبب نقص هذا المنتوج وهو ما يدفع بعدد من المختصين الى الدعوة الى تحرير بيع السجائر في تونس عوض عن خيار البيع في الفضاءات والمساحات التجارية الكبرى.

ماذا عن العائدات الجبائية ؟

ينشط في قطاع انتاج السجائر في تونس 2.500 منتج في حوالي 12 مركز انتاج اغلبها مركز في ولايات الشمال الغربي وتبلغ العائدات الجبائية من القطاع حوالي 1.2 مليار دينار في 2020 غير ان الخبراء يعتبرون ان زهاء 1 مليار دينار من عائدات بيع السجائر لا تنتفع بها خزينة الدولة سنويا جراء السوق الموازية.

ورغم النقص الهائل في العائدات الجبائية للقطاع فان الدولة تقتصر فقط على تعبئة موارد جبائية متواضعة من دون البحث عن تنمية هذه العائدات المالية لأسباب في الغالب تبدو سياسية. ولكن إمكانية تحرير مقيد او مشروط لسوق السجائر ستمكن من تعبئة عشرات ملايين الدينارات الإضافية سنويا لخزينة الدولة.   

ففي التجارب المقارنة، أطلقت مصر في شهر افريل المنقضي طلب عروض دولي لاختيار مؤسسة اجنبية لإنتاج 5 مليار علبة سجائر سنويا خلال عشرة أعوام وذلك في إطار تحرير جزئي لإنتاج السجائر في مصر. ومن ضمن الشروط المفروضة في هذه المناقصة الدولية وجوب ان تكون أسعار المؤسسة التي ستفوز بالمناقصة اعلى من أسعار بيع السجائر المحتكرة من الدولة بنسبة 50 بالمائة.

تجنب نقص السجائر ... الحل الوحيد !

وامام التحديات الاقتصادية والاجتماعية المطالب قطاع السجائر بكسبها، فان توفير السجائر بالكميات المطلوبة وباستمرار للمدخنين يمثل حلاً أساسياً من شانه ان يقضي على السوق الموازية.

والواقع ان النقص المتواصل في السجائر يمثل وضعية مريحة للمتدخلين في السوق الموازية كما ان أصحاب اكشاك بيع السجائر واعوان الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وإطارات الدولة يتمتعون شهريا بما تسمى "منحة المذاقة" وهي عبار عن حصة شهرية ب170 علبة سجائر تمنح لهم مجانا ما يعني ان قيمة هذه العلب تتجاوز الراتب الشهري لبعض أعوان الوكالة.

اجمالا فان تفادي نقص توفر السجائر يعد مسالة ضرورية لقطع الطريق امام استفحال السوق الموازية وبالتوازي يتعين على الدولة اتخاذ إجراءات حاسمة تهم العمل على تحرير الإنتاج مع المحافظة على العائدات الجبائية وان مسالة تحرير الإنتاج من شانها ان تنقذ الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وليس العكس.

في الختام وجب التأكيد على ان التدخين مضر بالصحة ويتسبب سنويا في العديد من الامراض للمدخنين ويؤدي أيضا الى الوفاة.

عمر العودي

تم النشر في 07/06/2021