version française ilboursa

مخاوف من عدم قدرة تونس على انجاز ميزانية 2022 في ظل غياب حكومة وتعليق اعمال البرلمان

تتواصل حالة الانسداد السياسي في توس والتي ستؤثر حتما على الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد إثر اتخاذ الرئيس قيس سعيد لحزمة من الإجراءات الاستثنائية انطلقت يوم احتفال التونسيين بعيد الجمهورية يوم 25 جويلية 2021 بتعليق اعمال البرلمان واعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه واقالة عدد من أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين.

وعلى الرغم من ترحيب جل التونسيين بهذه القرارات الاستثنائية، الا ان الأوضاع الاقتصادية لم تتحسن بل واصلت جل المؤشرات في الانحدار وخاصة وضعية المالية العمومية وتراجع مداخيل الدولة علاوة استمرار غلاء المعيشة وتنامي الاحتكار والمضاربة.

مازق مالي جديد

من الاشكاليات الدستورية والاقتصادية التي تتهدد تونس في الأشهر القليلة القادمة، تواصل الفراغ السياسي بعدم استئناف اشغال البرلمان وعدم تشكيل حكومة جديدة إثر تجديد الرئيس التونسي تعليق اشغال البرلمان الى اشعار اخر.

ويتوقع العديد من السياسيين ورؤساء الأحزاب في تونس عدم رجوع البرلمان الى نشاطه وهو ما يطرح إشكاليات كبيرة في علاقة بالمصادقة على موازنة الدولة للعام المقبل.

كما انه في حال عدم اسراع الرئيس قيس سعيد في تشكيل حكومة جديدة قد يضع البلاد في مازق اقتصادي ومالي جديدين يتمثل في عدم اعداد مشروع الميزانية لسنة 2022 وقبلها وجوب اعداد ميزانية تصحيحية لسد الثغرات المالية.

آجال دستورية

ويتعين على الحكومة أن تقوم بإعداد مشروع ميزانية عام 2022 وعرضها على البرلمان قبل انتهاء الآجال الدستورية بتاريخ 15 أكتوبر 202، على أن تقع المصادقة على الموازنة برمتها في العاشر من ديسمبر وفق ما نص عليه دستور جانفي 2014.

وفي الاثناء تنعقد اللجان البرلمانية للاستماع الى أعضاء الحكومة لعرض مشاريع ميزانية كل وزارة والمشاريع المزمع إنجازها بالإضافة الى انعقاد لجنة المالية (اهم لجنة في البرلمان) لمناقشة فصول قانون المالية وما تضمنه من إجراءات ضريبية جديدة وامكانية اسقاطها او تعديلها.

وضعية دستورية وقانونية قد تضاعف من الإشكاليات والصعوبات التي تمر بها تونس في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 في ظل تواصل تعطيل اعمال البرلمان وعدم تشكيل حكومة جديدة.

مخاطر كبيرة

وتعليقا على هذه الوضعية يقول استاذ القانون الدستوري رابح القانون الدستوري انه في حال عدم تشكيل حكومة جديدة في الفترة القادمة وخاصة عدم رجوع البرلمان التونسي الى عمله فانه لم يعد بالإمكان الحديث لا على ميزانية تكميلية لهذه السنة او حتى اعداد ميزانية جديدة للعام المقبل.

وبين ان هذه الوضعية الدقيقة ستفرض لاحقا على رئيس الجمهورية وفق ما يضبطه الدستور اصدار أوامر رئاسية كل ثلاثة أشهر تتعلق بصرف الجرايات ورواتب الموظفين ونفقات الدولة فقط. وبالمقابل ستتعطل نفقات التنمية والاستثمار العمومي وبالتالي توقف جل المشاريع التي تطلقها الدولة يضيف المتحدث.

واعتبر رابح الخرايفي ان هذه المسالة ستؤثر بشكل سلبي جدا على وضعية المالية العمومية بغياب رؤية او اهداف بخصوص التحصيل الضريبي علاوة على الشلل الذي سيصيب الاستثمار الخاص في تونس وما قد ينجر عنه من إشكاليات أعمق للمستثمرين التونسيين الذي يتعاملون مع الدولة ما سيؤثر أيضا على إمكانية تعطل مشاريعهم وبما إحالة العمال على البطالة.

كما يرى ان عدم انجاز تونس لموازنة جديدة سيعطي صورة سلبية لتونس لدى المانحين الدوليين الامر الذي يزيد من تعميق تدهور الترقيم السيادي لتونس.

واستدرك رابح الخرايفي انه في صورة حل الرئيس قيس سعيد للبرلمان فانه مطالب بتقديم تعليل موضوعي لهذه المسالة خاصة لدى المانحين الدوليين فانه حينها قد يتم التخفيف من حدة عدم اجراء موازنة الجديدة، اما ان يقع تعليق البرلمان فهنا تكمن الصعوبة الكبيرة والوقوع في مطبات وعثرات اقتصادية ومالية تونس ليست بحاجة اليها.

الانسداد السياسي ثمنه باهظ

من جانبه، حذر محمد صالح العياري، عضو المجلس الوطني للجباية في تونس والمتخصص في الشؤون الجبائية، من خطورة السيناريو الذي قد يحصل في حال عدم انجاز موازنة أولا تصحيحية وثانيا والاهم اعداد ميزانية العام القادم.

ولاحظ في صورة تواصل الانسداد السياسي وتجميد اعمال البرلمان وخاصة عدم تعيين حكومة جديدة فان تونس مقدمة على وضعية مالية جد حرجة وخطيرة تتجسد من خلال الصعوبة في تعبئة الموارد المالية الضرورية من الاسواق المالية العالمية لتمويل الموازنة الجديدة.

وبين ان تونس مطالبة قبل ذلك وفي أسرع وقت ممكن بالقيام بتصحيح فرضيات التي انبنت عليها الموازنة الحالية من خلال تعديل فرضية سعر برميل النفط، اذ تم الاعتماد في الموازنة الأولى على سعر برميل في حدود 45 دولار غير ان السعر الحالي في حدود 70 دولار ما يعني ان تونس يجب عليها ان تجد موارد بقيمة 3.200 مليون دينار لسد هذه الثغرة، على أساس ان كل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط يتكلف على موازنة البلاد زيادة ب 140 مليون دينار.

كما شدد على وجوب تعديل فرضية نسبة النمو من 4 بالمائة متوقعة خلال كامل السنة الحالية بسبب تراجع جل المؤشرات الاقتصادية مرجحا ان لا تتجاوز نسبة النمو لكامل العام بين 1 و1.5 في المئة.

أوامر رئاسية لصرف الأجور

وأبرز محمد الصالح العياري انه في حال عدم حلحلة المسائل السياسية وانفراجها بتعيين حكومة جديدة وإمكانية عودة البرلمان لعمله فان احكام الدستور تنص على اصدار أوامر رئاسية لصرف الأجور الموظفين ونفقات التسيير ما يعني ان تونس قد تجد نفسها ولأول مرة في تاريخها من دون موازنة وقانون مالية.

وسينجر عن هذه الوضعية بحسب المتحدث عواقب اقتصادية ومالية وخيمة على البلاد أبرزها مزيد انحدار تونس في ترقيمها السيادي من طرف وكالة التصنيف الدولية يؤكد العياري. وحذر أيضا من تأثير الوضعية على مناخ الاستقرار بعزوف المستمرين التونسيين والأجانب على انجاز المشاريع في ظل عدم الاستقرار السياسي وارتفاع المخاطر الاقتصادية للبلاد.

وعبر أيضا عن تخوفه الشديد من صعوبة ايجاد الموارد الضرورية لتمويل الميزانية الجديدة في ظل تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ورفض المقرضين الدوليين اقراض تونس ما يجعل هامش التحرك ضئيل جدا سواء على السوق الداخلية او الخارجية وفق اعتقاده.

وخلص بدعوة الرئيس قيس سعيد الى الإسراع بتعيين رئيس حكومة جديد يكون ملم بأهم الملفات الاقتصادية الحارقة وتكوين حكومة كفاءات مصغرة تنصرف في أقرب الآجال الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من اجل حصولها على الضوء الأخضر لتعبئة ما يمكن من موارد تمويل للموازنة القادمة.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 30/08/2021