version française ilboursa

خاص: تونس تستعد لإجراءات جديدة لإيقاف نزيف الأزمة وتفادي تأخر الاصلاحات

تستعد الحكومة لاتخاذ إجراءات جديدة لدعم النمو الهش والضعيف في ظل وضعية اقتصادية ومالية حرجة لا سيما بعد مراجعة صندوق النقد الدولي لنسبة النمو المنتظر تسجيلها لكامل هذا العام في حدود 1.3 في المئة مقابل اهداف رسمتها الحكومة في قانون المالية ببلوغ 1.8 في المئة.

وتكشف وثيقة حكومية رسمية تحصل عليها "البورصة عربي" تحت عنوان "الإجراءات الحكومية الداعمة للنمو على المدى القصير والمتوسط"، عن وجود مؤشرات تبعث على الانشغال من أهمها اشتداد الضغوط التضخمية رغم عدم إقرار الترفيع في أسعار المواد المدعمة واللجوء المفرط الى التداين الداخلي عبر الاقتراض المتواصل من البنوك علاوة على تراجع رصيد البلاد من العملة الأجنبية (93 يوم توريد الى حدود اليوم مقابل 122 يوم توريد في العام الماضي) مع تسجيل انخفاض حاد في اسعار السندات التونسية في السوق المالية العالمية (معدل 50 في المئة في الأسبوع الثاني من افريل الماضي).

إحداث رجَة اقتصادية

وتتحدث الحكومة من خلال هذه الوثيقة التي أعدتها وزارة الاقتصاد والتخطيط، عن ضرورة إحداث رجَة اقتصادية إصلاحية لإيقاف نزيف الأزمة الحادة واستعاد الأمل في افاق أفضل معتبرة ان سنة 2023 ستكون مفصلية وفارقة في مسار الخروج من الازمة وتجسيم اهداف الاستقرار.

وأمام دقة الوضع الاقتصادي، ستعمل الحكومة على توظيف كل الإمكانات للرفع من النمو عبر تشخيص المجالات القادرة على إعطاء نفس جديد للنمو المتعثر من خلال ضمان انتظامية الإنتاج الوطني من الفوسفات والطاقات المتجددة وفضَ الإشكاليات التي تعرقل المشاريع الاستثمارية الحكومية والخاصة، علاوة على استحثاث نسق التصدير مع تسريع نسق تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لا سيما تلك المتعلقة بتعزيز جاذبية مناخ الاعمال والرقمنة والاستثمار في اراس المال البشري.

وتخطط تونس في غضون هذه السنة إلى انتاج حوالي 6 ملايين طن من الفسفاط وتامين عائدات بقيمة 1400 مليون دينار ما يعادل الحصول على قرض أجنبي بقيمة 450 مليون دولار.

كما ستعمل على استقطاب 5.8 مليون سائح لكامل عام 2023 وتعزيز عائدات بقيمة 6 مليار دينار. وفي مجال تحسين تنافسية الصادرات فان مخطط الحكومة يرتكز على دعم المؤسسات التونسية في الأسواق الخارجية من خلال ضبط استراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية وتفعيل دور التمثيليات التونسية بالخارج وتعزية التنسيق فيما بينها.

وتقتضي الإجراءات المزمع تجسيمها أيضا استشراف فرص الأعمال والتصدير مع تنويع الأسواق الخارجية وتكريس الاندماج الإقليمي عبر دعم التوجه نحو افريقيا واعداد برنامج عمل شامل للاستفادة من الاتفاقيات التجارية مع دول افريقيا جنوب الصحراء وكذلك تطوير المبادلات التجارية مع دول الجوار (الجزائر وليبيا).

تعزيز جاذبية البلاد

لا يزال مناخ الاعمال في تونس يحتاج الى مزيد من التطوير بحسب التقارير الدولية والاقليمية وتوصيات العديد من أصحاب المشاريع المنتصبة في تونس من اجل مزيد تعزيز جاذبية البلاد وتحسين ترقيمها في مختلف التقارير الدولية المتعلقة بالاستثمار.

وفي هذا الإطار تقترح الإجراءات الحكومية الجديدة احداث دوائر قضائية مختصة في المجال الاقتصادي والتجاري والمالي وتسريع نسق مراجعة عدد من المجلات والتشاريع ذات الصبغة الاقتصادية على غرار مجلة الصرف ومجلة الرقمنة ومجلة المياه ومجلة الحماية السيبرنية وقانون الوظيفة العمومية.

ويفترض تحسين مناخ الاعمال في جانب منه إعطاء نفس جديد للقطاع الخاص عبر سداد المستحقات المالية لعدد من المقاولين والمزودين للدولة لإعادة حركية الاقتصاد مع التوجه نحو مبادلة متخلدات الدولة لفائدة المزودين ومسدي الخدمات الى سندات حكومية او رقاع خزينة يمكن تداولها في السوق الثانوية للبورصة.

تحسين النمو الكامن

أمام تواضع نسب النمو المسجلة في السنوات الأخيرة والتي لم تتجاوز في أفضل الحالات 2 في المئة شرعت الحكومة التونسية في البحث عن مكامن جديدة لتنشيط النمو عبر استهداف ما أسمته بتحسين النمو الكامن بالتركيز في مخططاتها على التسريع من مسار الرقمنة (الإدارة الجبائية والاندماج الرقمي وتعميم الخدمات الرقمية والإلكترونية...) الامر الذي سيسهم في الترفيع في النمو الكامن فيما بين 1.1 و1.5 في المئة بداية من سنة 2026

الى ذلك فان الاستثمار في الراس المال البشري وإصلاح الوظيفة العمومية سيسهم في الرفع في النمو الكامن بين 0.2 و0.5 في المئة بداية من سنة 2026.

وعلى الرغم من وجود إطار قانوني دخل منذ عدة سنوات ينظم الشراكة بين القطاعين والعام والخاص، فإن نسق انجاز هذا النوع من المشاريع شهد تأخيرا لافتا وعرف شبه فشل ما جعل الحكومة الحالية تسعى في خطتها الانقاذية العاجلة الى إعادة الروح الى تيسير تنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ومن اهم المشاريع التي تعتزم حكومة نجلاء بودن تفعيلها بسرعة، مشروع الخط الكهربائي عبر كابل بحري بين تونس وإيطاليا (مشروع الماد) ومشروع الهيدروجين الأخضر ومشاريع تحلية مياه البحر مع الحسم في المشروع العملاق بإنشاء ميناء في المياه العميقة بالوسط الساحلي التونسي.

وتنوي الحكومة أيضا إعادة الروح في عد من المشاريع الخليجية الضخمة على غرار مشروع المرفأ المالي البحريني (مرفأ الحسيان) ومشروع المدينة الرياضية الاماراتي أبو خاطر.

كلفة باهظة في تأخير الإصلاحات  

أقرت الحكومة التونسية عبر ذات الوثيقة ان التأخر في تنفيذ الإصلاحات سينجر عنه مخاطر اقتصادية هامة وتداعيات على المالية العمومية قد تكون نتائجها وخيمة على البلاد.وكشفت الوثيقة الحكومية ان التأخر في اعتماد تدابير الإصلاح وتنفيذها يمكن ان يؤدي الى ارتفاع حجم المخاطر ولربما زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

خطة بديلة

ومن بين تداعيات تأخر تنفيذ الإصلاحات، تعطل جهاز الإنتاج بعدم قدرة الاقتصاد على الاستجابة للطلب وتراجع الاستثمار وارتفاع البطالة الهيكلية مع توسع رقعة الفقر الى جانب توسع القطاع الموازي غير المنظم وتدهور المناخ الاجتماعي بالشركات الحكومية.

وسينجر عن عدم إقرار الإصلاحات الضرورية ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على التزود بالمواد الأساسية مع تدهور خطير وسريع لتوازنات المالية العمومية الامر الذي يدفع بالحكومة الى اتخاذ تقشفية علاوة على اشتداد الضغوط على المدخرات من العملة بتآكل النقد الأجنبي واضطراب التوريد وصعوبة التزود بالمواد الحساسية كالأدوية فضلا عن هشاشة القطاع المالي بارتفاع المخاطر السيادية وسحب مكثف للودائع والادخار لدى البنوك.

واستشرافا للوضع كشفت هذه الوثيقة ان الحكومة ستعد سيناريو بديل او خطة طوارئ بصورة مسبقة واحتياطية بهدف تشخيص كل الإجراءات الممكن ارجاؤها دون التأثير على السير العادي للمرافق العمومية.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 17/05/2023