version française ilboursa

تحديات اقتصادية ومالية جسيمة أمام رئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن

قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم أمس الأربعاء 29 سبتمبر 2021 تكليف السيدة نجلاء بودن حرم رمضان بتشكيل الحكومة القادمة لتكون بذلك اول امرأة تونسية وفي العالم العربي تترأس حكومة في دول شمال افريقيا والشرق الأوسط.

وبتعيينها تكون تونس قد انهت مرحلة الفراغ الحكومي الذي دام أكثر من شهرين إثر قيام الرئيس قيس سعيد بتاريخ 25 جويلية 2021 بتعليق اعمال البرلمان ورفع الحصانة عن النواب واعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه.

ولئن استبشرت المنظمات النسوية في تونس والمنظمات الوطنية وعدد من الأحزاب السياسية المناصرة للرئيس قيس سعيد بتعيين نجلاء بودن على راس الحكومة القادمة، الا ان هذا التعيين لا يجب ان يحجب حجم الرهانات الاقتصادية المطالبة بودن بكسبها في المدة القليلة القادمة.

وتمر تونس بحسب المحللين وتقارير المؤسسات المالية الدولية بأعمق أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها بدخولها في حلقة مفرغة من الصعوبات والمشاكل المالية جعلتها مهددة بالانهيار وان وكالات التصنيف الدولية تتربص بها لمزيد الحط من ترقيمها السيادي وإمكانية بلوغها محلة الإفلاس.

حسن اختيار أعضاء الحكومة

وتطرح التحديات الاقتصادية والمالية على رئيسة الحكومة المكلفة نجلاء بودن وجوب في المقام الأول الإسراع بتشكيل حكومة مصغرة وفق طلب عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين وخاصة تعيين وزراء على قدر من الكفاءة وبخاصة النجاعة والالمام بالملفات المناطة بعهدتهم ربحا للوقت والدخول مباشرة في صميم الإنجاز.

وفي ظل تردي الأوضاع المالية في ظل تعطل أهم رافعات النمو على غرار شلل إنتاج الفوسفات والقطاع الطاقي بسبب تنامي الاعتصامات والتحركات الاحتجاجية المتواصلة إلى جانب تذبذب عائدات القطاع السياحي الذي يمثل لوحده حوالي 7 في المائة من الناتج المحلي الخام، دخلت تونس في الأعوام الأخيرة في دوامة الاقتراض الخارجي ما عمق التوازنات المالية للبلاد إلى درجة أنها بلغت مرحلة التداين المفرط واللجوء إلى الاقتراض من اجل سداد ديون قديمة.

مرحلة صعبة

ويجمع الخبراء في تونس على أن المرحتين الراهنة والمقبلة في تونس ستكونان صعبتان جدا من حيث الوضعية المالية الحرجة من خلال الإسراع بتعبئة الموارد المالية (في حدود 18 مليار دينار) لتمويل الميزانية لهذا العام والاستعداد لموازنة العام المقبل. ويشدد المختصون على أن تونس مقدمة على رفع جملة من التحديات الاقتصادية الجسيمة في ظل ظرف سياسي حساس ودقيق لا سيما بعد 25 جويلية 2021

ويرى خبراء الاقتصاد ان أهم رهان يتعين على رئيسة الحكومة نجلاء بودن تونس كسبه في الفترة المقبلة هو الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج تمويل جديد ولكن الأهم في نظرهم هو ليس الحصول على التمويل بل أن موافقة صندوق النقد لدولي سيعطي الضوء الأخضر لبقية المانحين الدوليين لإمكانية إقراض تونس.

كما يتعين الإسراع بإعداد ميزانية تعديلية او تصحيحية اثر ارتفاع سعر برميل النفط في الأيام الأخيرة ببلوغه مستوى قارب 80 دولارا للبرميل مقابل اعتماد فرضية 45 دولارا في الميزانية الاصلية لعام 2021 ما يجعل الفارق في حدود 3200 مليون دينار.

الى ذلك العمل على إعادة تحيين نسبة النمو في ظل تردي جل المؤشرات الاقتصادية اذ ان الفرضية المعتمدة في الميزانية الاصلية هي تحقيق نسبة نمو ب 4 بالمائة مع نهاية العام الحالي ولكن يرجح جل الخبراء بان لا تحقق تونس هذه النسبة.

كما يتوجب على نجلاء بودن وفريقها الحكومي حسن اعداد ميزانية العام المقبل رغم ضيق هامش التحرك وصعوبة الخروج على الأسواق المالية العالمية للاقتراض في ظل ان الموارد المالية الداخلية لا تكفي.

استرجاع مستويات عالية من النمو

ويعتقد الخبراء أن أهم تحدي اقتصادي لتونس هو استعادة نسق النمو لا سيما وانه خلال السنوات الأخيرة حققت تونس نموا بمعدل 1.6 في المئة مقابل معدل 4 في المئة ما قبل 2010. واعتبروا أن معدلات النمو الضعيفة أنتجت معدلات كبيرة من البطالة (17.8 بالمائة في الربع الأول من 2021) مضيفين ان "وقف نزيف ميزان الدفوعات والتحكم في عجز الموازنة من بين التحديات الأخرى التي يتعين على الحكومة المقبلة".

وأكدوا على انه بات لزاما على الحكومة الجديدة أن تحرص على تحقيق التوازنات المالية الكبرى للبلاد بالتحكم في عجز الموازنة وبخاصة التحكم في كتلة الأجور التي وصلت إلى مستويات قياسية في حدود 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام علاوة على مراجعة منظومة الدعم بإتباع سياسة شجاعة وذكية.

ويشددون على ان أكبر مشكل يواجه تونس يتمثل في ضعف نسبة النمو التي لم تتطور خلال الخمس سنوات الأخيرة إلا بمعدل 1.6 في المئة الذي ذي قال انه لتحقيق مستوى نمو لسنة 2019 يتعين الانتظار إلى أفق سنة 2024

واوضحوا أن كل مشاكل تونس تدور حول تحسين نسبة لنمو لكي تتمكن البلاد من السيطرة على انخرام المالية لعمومية ومعالجة البطالة والفقر مضيفا انه من دون نسب نمو محترمة لا يمكن انجاز لمشاريع لعمومية وتحسين لخدمات العمومية على غرار الصحة والتربية والتعليم.

ومن ضمن الرهانات التي تنتظر البلاد في الفترة القادمة العمل على استرجاع نسق على لاستقطاب الاستثمارات الخارجية المتدفقة على البلاد التي سجلت نموا سلبيا بحلول النصف الأول من هذه السنة ب 7.4 في المئة.

استعادة ثقة الشركاء الاقتصاديين والماليين

من بين الرهانات المطروحة على مكتب رئيسة الحكومة في القصبة، استعادة الثقة الشركاء الاقتصاديين البارزين لتونس على غرار الاتحاد الأوروبي وكذلك استعادة ثقة المؤسسات المالية الدولية وأن رصيد الثقة لن يتحقق إلا من خلال العمل على تحقيق استقرار سياسي يرافقه إعطاء إشارات قوية لهؤلاء الشركاء وان البلاد جادة في المضي نحو إصلاحات اقتصادية جذرية.

مقاومة الفساد : المرور من الشعارات الى التجسيم

وبالتوازي مع طرح خبراء الاقتصاد في تونس لاهم التحديات الاقتصادية والمالية لتونس فان رئيس الدولة طرح بدوره على رئيسة لحكومة تحديا يعتبره أولى اولويات عملها في الفترة القادمة هو مقاومة الفساد.

وشدد رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه بالسيدة نجلاء بودن حرم رمضان التي كلفها اليوم الأربعاء بتشكيل الحكومة الجديدة على وجوب ان تشتغل الحكومة بدون هوادة على محورين أساسيين يهم الأول مقاومة الفساد ويتعلق الثاني بالاستجابة لمطالب التونسيين والتونسيات لحقوقهم الطبيعية في التعليم والصحة والنقل والحياة الكريمة.

كما جدد الحرص على العمل سويا في المستقبل بإرادة وعزيمة ثابتتان للقضاء على الفساد والقضاء على الفوضى التي عمت الدولة في عديد المؤسسات وفق رايه.

خطة إصلاح اقتصادي للخروج من الأزمة

ومن جانبه أدلى البنك المركزي بدلوه في الشأن العام للبلاد، بدعوة مجلس إدارته الأخير (3 أوت 2021)، إلى مزيد التنسيق بين كلّ الأطراف الفاعلة لوضع خطة إصلاح اقتصادي وإيجاد آليات جديدة يتم تحديدها وفق ما تقتضيه المرحلة للخروج من الأزمة الحالية وذلك على خلفية المستجدات على المستوى الوطني، خاصة بعد القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية في 25 جويلية 2021.

وأكد على أهمية الحفاظ على استقرار وحسن سير مؤسسات الدولة وحمايتها وضمان ديمومتها في ظل ما فرضه الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي الراهن من تحديات غير مسبوقة. كما شدد المجلس على أهمية العمل على استرجاع ثقة المؤسسات الدولية المانحة والمستثمرين الأجانب في الاقتصاد التونسي.

الامر الثابت والمتأكد ان مهمة رئيسة الحكومة المكلفة نجلاء بودن لن تكون يسيرة في ظل وضع اقتصادي غارق في الازمات والصعوبات الهيكلية والظرفية ويتعين عليها المرور الى السرعة القصوى لمعالجة الوضعية المالية للبلاد قبل ان تزيد الأمور تعكرا والانتقال الى انفجار اجتماعي يصعب تطويقه.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 30/09/2021

الأكثر قراءة