رغم غياب الاستقرار السياسي في البلاد، تسعى الحكومات التونسية المتعاقبة إلى رفع نسبة الطاقة النظيفة وتنويع مصادرها، بهدف تغطية العجز في الميزان التجاري للطاقة الذي يثقل كاهل موازنة الدولة.
توفّر تونس حوالي 8 % من احتياجاتها الأساسية السنوية من الطاقة من موارد النفط والغاز المحلية والباقي يأتي عبر الاستيراد.
و خلال السنوات العشر الأخيرة، شكّل بند الطاقة في الميزانية السنوية صداعا مؤرقا للدولة، حيث تشير التقديرات إلى أن تكاليف استيراد النفط والغاز تلتهم أكثر من 6,3 مليار دينار من مخصصات الإنفاق.
وعلى مدار العقدين الماضيين، لم تستطع تونس بناء قدرة طاقة متجددة بأكثر من حوالي 300 ميغاواط، معظمها من الرياح والطاقة الكهرومائية.
و تتجه تونس ، التي تعتمد أساسا على الغاز في توليد الطاقة ، ببطء لاستغلال مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء وأعلنت في 2015 القانون المنظم للقطاع بعد تعطيلات وتأخر دام ثلاثة أعوام.
و وفق البيانات الرسمية، فإن حجم الإنتاج من الطاقة البديلة لا يزيد حاليا عن نحو 4 % من حاجيات البلاد، أي ما يعادل 148 ميغاواط فقط.
وأعلنت وزارة الطاقة و المناجم والانتقال الطاقي ، خلال شهر ماي الماضي، اكتمال أعمال حقلين لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، بطاقة إنتاج إجمالية 31,1 غيغاوات/ ساعة سنويا.
وقالت الوزارة إن المشروعين يندرجان ضمن سعي البلاد تنويع مصادر الطاقة، وخصوصا في مجال الطاقة المتجددة.
وفي خطوة غير مسبوقة في مجال الشفافية و الحوكمة، أعلنت الحكومة التونسية في شهر ماي 2020 عن إجراء تقييم شامل تشاركي لقطاع المحروقات وستشمل هذه المهمة ممثلين عن المجتمع المدني إلى جانب هيئات الرقابة الرسمية.
وأطلقت السلطات التّونسيّة قبل ست سنوات سياسة لتحقيق الانتقال الطاقي ترمي إلى التقليص بنسبة 30 في المئة في استهلاك الطاقة الأولية وبلوغ حصّة للطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء في حدود ثلاثين في المئة.
و لتنفيذ هذه الاستراتيجية تم اعتماد خارطة طريق تشمل عدة إجراءات منها إطلاق صندوق للانتقال الطاقي في عام 2014 و سن القانون الخاص بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في عام 2015.
و في تصريح صحفي سابق، أكّد المدير العام للوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة ، حمدي حرّوش، أنّ هذا الصندوق " سيساعد تونس على عمليّة الانتقال الطاقي من خلال توفير حلول لتمويل المستثمرين في مجال الطاقات المتجدّدة."
ومازالت تدخلات صندوق الانتقال الطاقي حتى الآن (فيفري 2021) تقتصر على التدخلات التقليدية المتمثلة في إسناد المنح، بينما سيتم العمل على تفعيل التدخلات الجديدة بعد نشر دليل الإجراءات المنصوص عليه بالفصل 25 من الأمر الحكومي عدد 983 لسنة 2017 الذي تم الانتهاء من إعداده منذ مارس 2020 في انتظار نشره بالرائد الرسمي بقرار وزاري.
كما تم منذ 2016 إقرار برنامج 2020/2017 لتركيز طاقة إضافية في حدود ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة نصفها من أشعة الشمس والنصف الآخر من الرياح تحت نظام التراخيص، وفي إطار الإنتاج الذاتي من طرف الشركة التونسية للكهرباء والغاز الحكومية.
عقبات عديدة
يعتبر الخبراء في مجال الطاقة أنّ البيروقراطية وغياب استراتيجية واضحة هما أبرزعقبتين تواجهان الانتقال الطاقي في تونس.
و كشفت عبير اليحياوي ، الخبيرة بمعهد حوكمة الموارد الطبيعيّة، أن غياب الاستقرار الحكومي قد حال دون تطوير قطاع الطاقات المتجددة في البلاد، حيث تداول عشرة وزراء على وزارة الطاقة منذ سنة 2011، قليل منهم فقط أبدى دعما للطاقات الخضراء وتحدث علنا عن استراتيجية واضحة في هذا الصدد.
و أضافت عبير، في تصريح لموقع " البورصة"، أن غياب التنسيق بين الجهات المعنية وعدم وجود هيكل تنظيمي مستقل من شأنه تعزيز الإطار المؤسساتي ومراقبة المشاريع في مجال الطاقات المتجددة أدت إلى ضبابيّة في إدارة هذا الانتقال الطاقي.
من جهته، اعتبر الخبير البيئي حمدي حشّاد أنّ البيروقراطية الإدارية تقف حجر عثرة أمام مساعي تنويع مصادر الطاقة في تونس ، داعيا صناع القرار إلى إعادة هيكلة نموذج التراخيص ليصبح أكثر مرونة.
و أوضح حشّاد ، في تصريح لموقع " البورصة"، أنّ النفاذ إلى المعلومة غائب تماما في مجال الطاقات المتجددة، كما أنّ آجال الرد على الملفات طويلة للغاية.
و تابع ذات المصدر بأن تداخل ملفات الاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة بين وزارات التجهيز والبيئة و الفلاحة وأملاك الدولة يؤدّي غالبا إلى نفور المستثمرين.
وباء كورونا يفاقم الأزمة
كبحت أزمة فيروس كورونا خطط الانتقال إلى الطاقة المتجددة في تونس بسبب تعطل الاستثمارات وركود الحركة الاقتصادية نتيجة إجراءات الحجر الصحي.
و كشفت بيانات حديثة لمؤشر الانتقال الطاقي، الذي يأتي ضمن عدة تصنيفات يقوم بها المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، تراجع ترتيب تونس بأربع نقاط. ويقدم المؤشر مقارنة لقرابة 115 بلدا عبر أنحاء العالم في ما يتعلق بأنظمتها في مجال الطاقة ومدى جاهزيتها لتحقيق الانتقال نحو الطاقة المتجددة.
و حصلت تونس على نحو 48.2 % للعام الحالي، مقابل 52 % سنة 2019، الأمر الذي يعكس مدى الضغوط التي تتعرض لها الحكومة التونسية للاقتراب من المؤشرات التي تعهدت بتحقيقها خلال قمم المناخ السابقة .
وتضع تونس نصب عينها مشاريع الطاقة النظيفة بهدف مواجهة الطلب على الكهرباء وتقليص النفقات السنوية لاستيراد الغاز من أجل تشغيل المحطات مع التراجع المنتظر لنفقات دعم المحروقات سنة 2021 بحوالي 1500 مليون دينار.
و تلتزم تونس بإنتاج 30% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. ومع ذلك، يبدي المسؤولون الحكوميون تخوّفهم من أن هذا الهدف لم يعد قابلاً للتحقيق في غضون الإطار الزمني المُحدد بسبب الانعكاسات المتوقّعة للفيروس التّاجي على مشاريع الطاقة المتجددة في البلاد.
أشرف الشيباني
تم النشر في 04/02/2021