version française ilboursa

أنيس وهابي - قانون التنشيط الاقتصادي : من فساد القوانين الى قوانين الفساد

لم تعش تونس أزمة كالتي تعيشها اليوم، منذ انتصاب الحماية وحتى قبلها. أزمة اجتمع فيها أثر الظروف الصحية بما سبقها من آثار الاهتزازات السياسية التي أعدت للثورة ثم تلتها. وأزمة اجتمع فيها الاقتصادي بالأمني والسياسي والاجتماعي، فضربت مقومات الاقتصاد وأنهكت المالية العمومية وأفرغت محركات الاقتصاد من أي قدرة على النشاط وأنهت أي قدرة للمؤسسات التونسية على المرونة.

سهلت الأزمة السياسية والاقتصادية على استشراء الفساد فأصبحت المنظومة القائمة كالحية التي تاكل ذيلها أو كالنار المستعرة التي تغذي نفسها. تغلغل المال الفاسد في مفاصل المنظومة، المال الفاسد يأتي من الاقتصاد الفاسد، ليمول منظومة سياسية فاسدة ويحقق استدامتها لحماية متبادلة وتوافق من أجل المصالح المشتركة، بعيدا عن مصلحة الوطن والمجتمع والاقتصاد.

لا يمكن لمنظومة مماثلة أن تحقق النمو وهو الحل الوحيد لانقاذ البلاد. لأن النمو الاقتصادي يشترط الثقة وشفافية المعاملات وحماية الحقوق. وفي وقت تحقق فيه البلاد نموا سلبيا كارثيا تجاوز 8٪؜ في سنة 2020 واتجاها مماثلا في سنة 2021، اشرأبت الأعناق في انتظار قانون ينعش الاقتصاد ويعيد للنمو حيويته.

وإذا بالحكومة ومجلس نواب الشعب يخرجون لنا بقانون سُمي بقانون الانعاش الاقتصادي الا انه لم يحمل من ذلك الا التسمية. والمحلل للقانون الذي تم اعتماده يوم 12 جويلية 2021 لا يتضمن على أي إجراء يدفع بالنمو أو يعيد الثقة في الاقتصاد المتعب.

من حيث الطريقة، تم إعداد القانون في الغرف المغلقة، لا انتهجت التشاركية في إعداده، ولا أستشار المتدخلون الاقتصاديون، لا مهن ذات علاقة بالشأن الاقتصادي، لا مؤسسات ولا خبراء في المجال. بل والادهى من ذلك أن قانونا مماثلا جله جبائي يتم إعداده دون الرجوع، ولو شكلا، للمجلس الوطني للجباية. أليس في ذلك دليل على التسرع وإرادة ضمنية لإقصاء أصحاب الرأي، لفائدة أصحاب المصالح؟

تضمن القانون ثلاثة محاور هامة، أولها جبائي. فهل تعلق الأمر بامتيازات جبائية للمؤسسات في سبيل مساندتها؟ لا شيء من ذلك غير اجراء يتعلق بإعفاء الارباح المعاد استثمارها في المؤسسات المصدرة. وهذا الإجراء هو لإصلاح خطإ سابق أقرب. وهو أيضا إجراء مفرغ من محتواه باعتماد الضريبة الدنيا.

أما كل الاجراءات الأخرى فلا علاقة لها بالامتيازات الجبائية، بل تعلقت باجراءات المراقبة الجبائية مما جعلها تواصلا لعملية سميت خطأ بالاصلاح الجبائي، لكنها لا تحسن من علاقة دافع الضرائب بالإدارة ولا تضمن مقاومة حقيقية للاقتصاد الموازي.

جاء القانون بإجراء ثاني يتعلق بإعادة تقييم الأصول. وهذا الإجراء يندرج ضمن التناسق بين الأحكام الجبائية والمعايير المحاسبية الدولية. وإن كان هذا الإجراء مطلوبا إلا أنه لا يتماشى مع البعد الاستعجالي للقانون باعتبار أن تأثيره سيكون على المدى البعيد وسيهم المؤسسات التي تحقق أرباحا دون غيرها. هو إذن إجراء يشجع على "تزيين" المعلومات المالية لا على معالجتها في العمق. مثال لما يمكن أن يحصل كلما تدخل غير المختصين في غير اختصاصهم.

المحور الثاني يتعلق بقانون الصرف. هذا القانون الذي يعود لسنة 1976 والذي تجاوزه الدهر وقيد الاقتصاد وعزله عن العالم. عوض العمل على اصلاح منظومة الصرف في العمق لرفح الحواجز عن المبادرة الاقتصادية والاندماج في المنظومة العالمية للاقتصاد، يتم بكل بساطة الاقتصار على سن عفو في جرائم الصرف.

لا الاسباب الجذرية عولجت ولا العفو أدى إلى تحمل المتهربين لكلفة مناسبة لأفعالهم. هو فقط تبيض للمهربين بكلفة لا تتجاوز 7٪؜ من قيمة الاموال المهربة. ولقد كنت ناديت بسن عفو في جرائم الصرف من سنة، ولكن في إطار خطة متكاملة تضمن توجيه الأموال المهربة بالداخل والخارج لتدعيم الإدخار الوطني وتقطع نهائيا مع أسباب التهرب. أما وقد تم انتقاء الإجراءات التي تهم ما ينفع أصحاب المصالح، فقد تحول القانون إلى خدمة الفساد والفاسدين. لا رؤية شاملة ولا حس وطني.

تعلق المحور الثاني باجراءات تساعد على اقتناء المساكن، إجراء في ظاهره اجتماعي وفي باطنه خدمة لقطاعي الباعثين العقاريين والبنوك. احتوى القانون على اجراءات تهم المتهربين من تسجيل عقود اقتناء العقارات واجراءات تهم العاملين دون تصريح بالوجود واجراءات تهم المتهربين الجبائيين في ما يخص الخصم من المورد. كان أولى بهذه الاجراءات أن تكون صلب قانون مالية، أصلي أو تكميلي.

أما وقد ضمن بهذا القانون، فقد كان أولى يسمى قانون مقاومة التهرب الجبائي لا قانون الانعاش الاقتصادي. أو بالأحرى قانون العصا الجبائية لغير المنتمين لمنظومة المتنفذين.

كنت أنتظر من قانون الانعاش الاقتصادي أن يعيد النظر في منظومة المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية، في سبيل استحثاث الآجال وتسهيل اجراءات قبول المؤسسات ومرافقتها.

وكنت أنتظر أن يأتي القانون باجراءات لتمويل المؤسسات التي خسرت مالها المتداول، واجراءات تخفض عبء كلفة الاقتراض على المؤسسات الصغرى والمتوسطة، واجراءات تشجع المؤسسات على تحمل أعباء التأجير بإنقاص الأعباء المحمولة على المؤجر.

وكنت أنتظر إجراءات تحسن من مناخ الأعمال، تسهل ولوج المؤسسات للتمويل، تضع حدا لهيمنة البنوك وشروط الرهون العقارية، تحسن من استعمال المؤسسات والمواطنين للخدمات البنكية والرقمية. خاب ظني مجددا. المنظومة لها من يملكها وتونس لها الله.

أنيس وهابي 

تم النشر في 13/07/2021